الإعراض



الإعراض  







قال ابن الملقن في التوضيح، (٥٢٤/١) عن سمات نبينا محمد :

"من حسن لطفه أنه لم يؤاخذ أحدًا بما فعل ولكن يُعرض، وهكذا كان دأبه "

قلت:
من سمات النبي ﷺ الإعراض، وقد كان  معرضًا، ماسكًا زمام نفسه في غضبه وحزنه، وذلك في أكثر من موضع:

▪ فها هو مع أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول: "خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته"
ولا ريب أن النبي بشر ينزعج ويغضب، لكن كان فعله أمام ذلك كله أنه (يُعرض).  
▪ وها هو مع وحشي حين قتل عمه حمزة رضي الله عنه وأرضاه، فعل أمرًا تكاد دماء العروق تنصهر من شدة صنيعه، لكن النبي أعرض عن جداله، واكتفى بقوله له: "فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني". 

▪ وها هو مع زوجاته حين أعرض عنهن، واعتزلهن شهرا، ولم يجادلهن على ما سألنه من مطالب رضوان الله عليهن. 

في الإعراض سلامة للدين والقلوب، ونفع أن لا توغر الصدور، وأن لا تُفْسَد خوالج النفوس.

وهو أنجع دواء لمن أساء إساءةً مقصودة، ولمن يتحدث من وراء جهالةٍ مغمورة. 
ومن الكياسة عدم الجدال مع الجاهل، ومع الذي لا يريد إلا إثبات حجته ودحض حجة غيره، وكأن همه الأعظم وشغله الأكبر أن يصيب وسط الدريئة! يرى قوله فتاة حسناء ويرى قول غيره عجوزًا شوهاء!

حاله كما قال تعالى
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}

وأنا لا أستلب القارئ لترك المناظرة لمن كان لها كفئًا، ولا أن يجيب عن الشبهات لمن كان لها أهلاً،،،

إنما أدعو نفسي وغيري أن نسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعراض ومسك زمام النفس عند الغضب والحزن، وعند من لا ينفعه الكلم ومحابر القلم. 

للناس سرائر نرى ظاهرها كأنها أديم السماء، تتلألأ كالكوكب الدري في جنح الظلام
 فتظهر لنا يومًا على ألسنتهم وأفعالهم كبدًا مقروحة، لا مشترٍ لها في سوق القلوب ولو بأبخس الاثمان.

ولو أُظهرت لك من وراء الحجب والستر؛ وددت لو تسير فارًا عن وجهها السالخ، وحالها الهالك.    
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}

كم قطع الجدال والضغائن حبال الانساب الوشائج، وميثاق الصداقات الأواصر. 
فعليكم بالاعراض في مثل ذلك حتى تسلم بالأرحام، وتصون القلب وسقف الصداقة والمعارف!

وكما هي القاعدة الأصولية التي يستنبط منها الأحكام الشرعية، والتي في المقابل هي لنا منهج حياة:
(أن السكوت في مقام الحجة والبيانِ بيان). 

وقد كان هذا حال يوسف عليه السلام من قبل:
{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ}



وخطت حروفه: 
الفقيرة إلى فتح الفتاح
هيا بنت سلمان الصباح 
غفر الله لها ولوالديها

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طالبة العلم بين المنهج السلفي، ومتغيرات الزمان

الحجاب في كويتنا أصلٌ أصيل

ظلمُ ذوي القربى