ظلمُ ذوي القربى

 

ظلمُ ذوي القربى





حين يبكي القلب ويذرف دمًا قبل سيلان الدموع من العيون عبر؛ ذلك هو ظلم أقارب الدم والنسب!

أشد أنواع الظلم وطأة على الإنسان، هو ظلم الأقارب، ذلك الظلم الذي لا يُنسى مع مرور الزمان، وسهامهُ جروحٌ فاتكة تَجْشُم الفؤاد

وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـةً

على المرء من وقع الحسام المهندِ

فكم أُخذت صبابة من المال سلبًا

وكم طُعن الأشراف من أفواه ذوي القربى زورًا

وكم تعدى الأرحام على حقوق ابنهم ظلمًا

آلامٌ تعتلج بها الصدور من ذوي الرحم الطاغي، الذي ما هو إلا قريبٌ في ثياب الجائر، وأخٌ في لباس الحاسد

وأين يغدو الظالم من الله؟!

فمهما بلغ نعيم الدنيا بين يديه، فإن القلق لا يزال يساور قلبه، والحزن حائمٌ بين جفنيه


{إنّه لا يفلح الظالمون}

فهيهات هيهات أن يفنى ألمه، أو ينقضي عذابه، فما هو إلا بين غيظٍ فاتك، وكمدٍ قاتل

إن محبة القربى ليست كلمات تُحشى بها الأذهان، بل هي ملكات تصدر آثارها على الجوارح كأريج الأزهار

فما هذه الدور التي يسكنها القريب الظالم ولا هذه القصور والمحافل، إلا ألوانًا مبهرجة لا علاقة بينها وبين حقائق الصدور ولا جواهر طهر النفوس

ولن ينفع المرء ضميرًا ولا ناصحًا ما لم يكن لديه مخافة من الله، وخشية تخالط قلبه، تقوده للهدى والنور

ليسكن روعك أيها المظلوم، وليثلج صدرك، وليهنأ عيشك، وليعذب موردك، فمهما برح بك من ظلمهم الشقاء، فإنَّ للظالم يومًا، وإنَّ لعواقبه وخيمة

وحسبك من قول نبينا ﷺ عندما اشتكى له رجلاً قائلاً:

"يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال ﷺ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".

أتعلمون ما معنى تُسِفُّهُم المَل؟

أي: يسفُهم الرماد الحار فكأنما تَطَعَمُوه والعياذ بالله

وليكن لسان حالك أيها المظلوم مهما بلغ بك ظلم القريب المغبون:

{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِين}

ليس خوفًا منك ولا عجزًا أن أرجع لك ما فعلته بي، بل مخافة من الله أن أرجع الظلم بالظلم، وهذه الآية فيها دلالة وتوجيه أن لا تأمن من الأخ القريب ولو كان من أُمكَ وأبيك

فلم تُرني الأيام خِلاً تَسرّني

مَباديه إلا ساءني في العواقب

ولا كنت أرجوه لدفع مصيبة

من الدهر إلا كان إحدى المصائبِ



                                                                                         

وكتبته:

هيا بنت سلمان الصباح

23 شعبان 1442

تعليقات

  1. أحسن الله إليكم وجعله في ميزان حسناتكم

    ردحذف
  2. جزاك الله الجنة ونعيمها
    والله سنوات نعانى من ظلم ذوى الارحام

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله عنا كل خير
    جميل جداً جداً ونسأل الله عزوجل أن يتوفانى مظلومين ولا ظالمين فإن الظلم ظلمات يوم القيامة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طالبة العلم بين المنهج السلفي، ومتغيرات الزمان

الحجاب في كويتنا أصلٌ أصيل