رباه قلبٌ تائبٌ ناجاكَ

رباه قلبٌ تائبٌ ناجاكَ



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

المؤمن لا يباشر قلبه المعصية إلا والحزن يمزق قلبه؛ خلاف اللاهي الذي ليس فقط يتجرأ على المعصية بل يسعد ويفرح بها

فإن صَحَتْ من العبد المحاسبة نزل منزلة التوبة،،،

فكان:

باكيًا متذللا، خائفًا وجلا

أسهر الذنب ليله، وأنقض مضجعه

تسامر بالوحدة، وتساهر مع ظلمة الوحشة

فكانت ترافقه:

تلك الدمعة التي تترقرق في عين التائب كلما رحل فكره على ما كان عليه من المعاصي، وتراءى له مشهد من مشاهد الماضي

وتلك الصرخة التي أحالت بين الجفون وغفوتها، وأَحيت الضمائر ورغدتها

ما أعذب التوبة ومذاقها، وما أجمل العيش في ظلالها

أخرجت التائب من البرحاء والحصباء إلى دار النعماء

 ولو استطاع أن يتحدث عما آل إليه لأبكى العيون دماء

ولله تلك الدمعة ما أثمن وأعظم ثمرتها

قال النبي ﷺ: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله"

فمهما عصيت يا ابن آدم

لا تستسلم للذنب الذي لا يحذو بك إلى الرجاء سبيلا، ويذهب برشدك حتى يجعلك حيرانًا بليدا

تناسى عما فات، وأقبل لما هو آت

واعتصم بالله، فالاعتصام بالله منجاة التائبين )ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ(

إن ذكرى الذنب لن تفارقَ الفكرَ والذهن، فما بلغ الأعداءُ من جاهلٍ ما بلغ الجاهل من نفسه!

إِنِّي بُلِيَتْ بِأَرْبَعٍ يَرْمِينَنِي ... بِالنَّبْلِ قَدْ نَصَبُوا عَلَيَّ شِرَاكَا

إِبْلِيسُ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى ... مِنْ أَيْنَ أَرْجُو بَيْنَهُنَّ فِكَاكَا

يَا رَب سَاعِدْنِي بِعَفْوٍ إِنَّنِي ... أَصْبَحْتُ لَا أرجو لهنَّ سواكا 

سيعتريك أيام تريد الفرار من الذنب فتسابقك قطرات الدمع

حتى ترى الذنب يسايركَ أينما غدوت، ويرتسم مواقع أقدامك حيثما حللت

حتى تجف جفاف الخشف البالي

فتفتر الإنابة، وتوهن الهمة

والسيل الجارف لن يقف حتى تبني له سدًا ذريعًا منيعًا

تنسلخ من دنيا العاصين

وتنظر لهم نظرة شزراء

ولو كانوا لسرك مذياع، وجعلوا حديثك مشاع

فلابد من الصدق والإخلاص والثبات؛ فهم حبائل ينصبها التائب في قلبه حتى يشعر بضوءٍ منيرٍ بين جوانحه، يشعُ نورًا وسرورًا، لا يكدره إلا مخافة تزعزع التوبة وزوالها

والتائب لا يلطم خده، ولا يشق جيبه، ولا يدعو بدعوى الجاهلية؛ إنما يستر على نفسه وينيب

قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/199): "وَشَرَائِطُ التَّوْبَةِ ثَلَاثَةٌ: النَّدَمُ، وَالْإِقْلَاعُ، وَالِاعْتِذَارُ.

فَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ: هِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي، وَالْإِقْلَاعُ عَنْهُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّلَاثَةُ تَجْتَمِعُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ التَّوْبَةُ، فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَنْدَمُ، وَيُقْلِعُ، وَيَعْزِمُ".

وكلما ازداد الخوف من الله كلما تمزق القلب على التفريط والتقصير، وشمر العبد في المسير

قال النبي ﷺ :"من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"

ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، فتب إلى الله؛ فإن الله يحب التوابين.

اللهم تقبل منا واقبلنا، وتب علينا وارحمنا

 

وكتبته الفقيرة إلى فتح الفتاح

هيا بنت سلمان الصباح

30 جمادى الآخر 1442

 

 

 


تعليقات

  1. جزاكِ الله خيرا دكتورة كلمات رائعة أسأل الله أن ينفع بها كل من قرأها آمين

    ردحذف
  2. اللهم نجنا برحم يا ارحم الراحمين بارك الله فيكِ دكتوره هيا اسأل الله ان يجعل كل كلمة في ميزان حسناتك وتنفعك بآخرتك يوم لا ينفع مال ولا بنوم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طالبة العلم بين المنهج السلفي، ومتغيرات الزمان

الحجاب في كويتنا أصلٌ أصيل

ظلمُ ذوي القربى